Salah Osman

Menoufia University, Egypt
  •  125
    لا شك أن حقيقة موتنا هي أهم حقيقة عنا، على حد تعبير الفيلسوف الأمريكي «تود جيفورد ماي»؛ قد يكون الموت مأساويًا وتعسفيًا ولا معنى له للوهلة الأولى، لكنه في الوقت ذاته يفتح أمامنا الحياة الكاملة التي لم تكن لتوجد بدونه! فكيف يمكن أن نعيش في مواجهة النفي التام؟ كيف يجب أن نفكر في الموت؟ وهل يجب على الأطباء، الذين يُتهمون أحيانًا بأنهم دجالون يبيعون وهم الخلود، أن ينتبهوا أكثر لفلسفة الموت؟
  •  121
    يوريكا ... كثيرًا ما تُستخدم هذه الكلمة للإشارة إلى لحظة الكشف العلمي، تلك اللحظة الفارقة التي تُولد فيها فجأة فكرةٌ عبقرية في ذهن العالِم أو الباحث، فتفصل بين ما هو غير موجود وما هو موجود، أو بالأحرى بين ما هو غير معروف للمجتمع العملي وما هو سائد ومستهلك حتى بات غير مُشبع لمعالجة المزيد من الوقائع. فما الذي يدفع إلى مثل هذه اللحظة، وماذا يُمكننا أن نفعل لكي تأتي إلينا ونختبرها بشكلٍ مُتكرر؟!
  •  95
    يرى العباقرة العالم بطرقٍ مختلفة عن الآخرين، ولذا كثيرًا ما يواجهون صعوبة في التفاعل مع المُحيطين بهم، بل ويُتهمون بالجنون، وهو ما عبر عنه «أرسطو» بقوله «لا توجد عبقرية عظيمة دون لمسة من الجنون». وسواء قبلنا ذلك أو لم نقبله، فإن طريق العبقرية والإبداع – كما تُظهر السير الذاتية لكبار العلماء والمخترعين – هو طريق طويل ومتعرج، مرصوف بطقوسٍ وعادات غريبة يصعب أن نجد لها تفسيرًا. النماذج التالية مجرد لمحات سريعة لأغرب عادات العلماء الذين ساهموا في بناء حضارتنا الإنسانية وغيروا مجرى التاريخ، وهي تؤكد أ…Read more
  •  109
    قد يكون الانقراض البشري مادة كوابيس تُنذر بتدمير الحضارة الحديثة برُمتها، ولئن كانت الثقافة الشعبية تميل إلى التركيز فقط على أكثر الاحتمالات إثارة؛ كتوقع اصطدام كويكب عملاق بالأرض (فيلم الخيال العلمي الأمريكي «أرمجدون»: 1998)، أو توقع غزو فضائي للأرض (فيلم الخيال العلمي الأمريكي «يوم الاستقلال»: 1996)، فإن التركيز على مثل هذه السيناريوهات قد يعني تجاهل أخطر التهديدات التي تُواجهنا في عالم اليوم، والتي يُمكن أن نفعل شيئًا للحد منها بتبيانها كخطرٍ وجودي، وتكثيف التعاون الدولي لصياغة وتنفيذ التدابي…Read more
  •  107
    ليس هناك مركز وحيد للكون، أو «حافة» قابلة للتمييز. ولو كان هناك مركز وحافة، فلابد وأن نتوقع رؤية تركيز للمادة في اتجاه واحد (صوب المركز)، وترقيقًا للمادة في الاتجاه الآخر (أي صوب الحافة)؛ فهل يعنى ذلك أن الكون أو «متصل الزمان – مكان» لامتناهٍ في الامتداد؟
  •  199
    «جمباز العقل»، هكذا وصف الفيلسوف الأمريكي «رالف والدو إمرسون» نشاط المشي، بينما وصفه الكاتب الأمريكي «كريستوفر أورليت» بأنه «جمنازيوم العقل»، في إشارة إلى البُعد التأثيري للمشي كحافزٍ على الإبداع والتفكير. لقد كان «سقراط» يُمارس التفلسف مشيًا في شوارع أثينا؛ وسُمي تلاميذ «أرسطو» في اليونان القديمة بـ «المشائين» لأن مُعلمهم كان من عادته أن يُلقي عليهم دروسه ماشيًا، ولأنهم كانوا يقضون أغلب وقتهم في العصف الذهني مشيًا عبر بساتين أكاديمية أفلاطون؛ كما عُرفت المدرسة الرواقية بهذا الاسم نسبة إلى «الرو…Read more
  •  59
    على مدار ألفية كاملة بعد «بطليموس»، كان علماء الفلك يعتقدون بالخطأ أن الشمس تدور حول الأرض! وفي القرن التاسع عشر اعتقد علماء فراسة الدماغ على نحو زائف أن شكل جمجمة الشخص يعكس ملكات عقلية مسؤولة عن صفات معينة تُشكل شخصيته! وفي القرن العشرين عارض عديدٌ من العلماء بشدة فكرة الانجراف القاري أو تزحزح القارات، رغم الثبوت الحالي لفكرة تحرك الصفائح التي تحمل القارات! فهل بإمكاننا اليوم أن نثق فيما نسميه «حقائق علمية»؟ هل نستطيع أن نُحدد الأفكار والمزاعم العلمية التي يمكن أن تستمر إلى الأبد، دون أن تكون …Read more
  •  188
    نحن مقيمون على الإنترنت، نرسم معالم دنيانا التي نبتغيها من خلاله، ونُمارس تمثيل شخصياتٍ أبعد ما تكون عنا؛ نحقق زيفًا أحلامًا قد تكون بعيدة المنال، ويُصدق بضعنا البعض فيما نسوقه من أكاذيب ومثاليات؛ ننعم بأقوالٍ بلا أفعال، وقلوبٍ بلا عواطف، وجناتٍ بلا نعيم، وألسنة في ظلمات الأفواه المُغلقة تنطق بحركات الأصابع، وحريةٍ مُحاطة بأسيجة الوهم؛ ومن غير إنترنت سيبدو أكثر الناس قطعًا بحجمهم الطبيعي الذي لا نعرفه، او بالأحرى نعرفه ونتجاهله! لا شك أن ظهور الإنترنت واتساع نطاق استخداماته يُمثل حدثًا فريدًا مت…Read more
  •  159
    في الرابع من أكتوبر (2022)، أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم في ستوكهولم منح جائزة نوبل في الفيزياء لثلاثة فيزيائيين من جنسيات مختلفة؛ هم: الفرنسي «آلان أسبيه»، والأمريكي «جون فرانسيس كلاوزر»، والنمسوي «أنطون تسايلينغر»، تقديرًا لتجاربهم الرائدة في ميدان ميكانيكا الكم، وبصفة خاصة على صعيد ما يُعرف بالفوتونات المتشابكة، ما يُمهد الطريق لتقنيات جديدة في الحوسبة الكمومية والاتصالات فائقة الأمان. لفهم ما يعنيه هذا، ولماذا اكتسب عملهم هذه الأهمية، نحتاج إلى فهم كيف حسمت هذه التجارب نقاشًا طوي…Read more
  •  75
    هل فوجئت يومًا بأن نظام التشغيل لهاتفك أو حاسوبك لا يقبل التحديث لأن الشركة المُنتجة قد أوقفت دعم إصدارٍ ما زال يعمل، لكي تحث عملائها على شراء إصدار جديد أكثر كفاءة وأشد جذبًا وإشباعًا لحاجات المستخدمين؟ وهل تساءلت يومًا عن طبيعة العلاقة التي تربط بينك وبين هاتفك أو حاسوبك أو أي جهازٍ إلكتروني آخر تمتلكه، هل هي علاقة عاطفية قوامها المظهر والتباهي أم علاقة عقلانية قوامها الحاجة ونمط الاستخدام؟ وهل فكرت يومًا في كيفية عمل هاتفك أو حاسوبك، وما الذي يحدث حين تقوم بالضغط على أيقونة أحد البرامج، أو ما…Read more
  •  163
    نعني بالتكنولوجيا العصبية كافة التقنيات المُطَّورة لفهم الدماغ وتصور عملياته، وكذلك التحكم في وظائفه بهدف توجيهها أو إصلاحها أو تحسينها. وعلى الرغم من أن تخطيط كهربية الدماغ يرجع إلى ما يقرب من قرن من الزمان، إلا أن أول اختراق كبير في هذا المجال قد تحقق في العقود الأخيرة مع بدء فحص الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، حيث سمحت هذه التقنية للباحثين، من بين أمور أخرى، بتحديد مناطق الدماغ التي يتم تنشيطها أو تعطيلها أثناء أداء مهام معينة، ومن ثم تطرقت التكنولوجيا العصبية إلى مجالات أخرى عادة…Read more
  •  96
    تعمل الكلمات كروابط لإدراكات متباينة، ما يسمح لنا بتجميع التجارب الحسية المختلفة تحت مُسمى واحدًا. ينطبق هذا بشكل خاص على المفاهيم التي تُشير إلى أشياء يمكننا رؤيتها أو لمسها، لكننا ما زلنا لا نفهم حقًا كيف تعمل اللغة في تشكيل معنى المفاهيم الأكثر تجريدًا، أو كيف تسمح لنا بتجميع الخبرات معًا تحت مظلة مصطلح واحد يشير إلى شيء لا يمكننا الإشارة إليه أو رؤيته أو لمسه. هذا ما تناقشه «ماريانا مارسيلا بولونيسي» (الأستاذ المشارك بقسم اللغات والآداب والثقافات الحديثة بجامعة بولونيا) في مقال لها تحت عنوان…Read more
  •  203
    لم نعد بحاجة إلى فانوس سحري نمسح عليه بأصابعنا لكي يخرج منه المارد القادر على خدمتنا وتلبية بعض أهم مطالبنا الحياتية، ولم نعد بحاجة إلى تعويذات نلج بها في عالم السحر والخيال؛ لقد خرج المارد بالفعل من قمقمه الحاسوبي؛ من جوف مختبرات البرمجة والذكاء الاصطناعي، بتعويذات (أكواد) رياضية رمزية سرعان ما تمكن من التهامها وهضمها، ليبيت قادرًا على إنتاج تعويذات أخرى مماثلة، وربما أفضل منها! خرج «المُحول التوليدي المدرب مُسبقًا»، المعروف اختصارًا باسم «جي بي تي»، ملوحًا بإمكانات بحثية وخدمية وإنتاجية هائلة،…Read more
  •  123
    تُخبرنا النظرية الحاسوبية للعقل (أو مذهب الحوسبة)، أن عقولنا تُشبه الحواسيب في عملها؛ أي أنها تتلقى مدخلات من العالم الخارجي، ثم تُنتج بالخوارزميات مخرجات في شكل حالات ذهنية أو أفعال. وبعبارة أخرى، تذهب النظرية إلى أن الدماغ لا يعدو أن يكون معالج معلومات؛ حيث يكون العقل بمثابة «برمجيات» (سوفت وير) تعمل على «جهاز» هو الدماغ (هارد وير). وما دام العقل مجرد برمجيات تخضع للحوسبة الفيزيائية بواسطة الأدمغة، أليس من الممكن إذن منطقيًا نقلها إلى أي حاسوب مثلما نقوم بنقل أية برمجيات أخرى؟
  •  743
    الذكاء الاصطناعي العاطفي»، ويُعرف أيضًا باسم «الحوسبة العاطفية»، و«الذكاء الاصطناعي المتمركز حول الإنسان»، و«الذكاء الاصطناعي الاجتماعي»، مفهوم جديد نسبيًا (ما زالت تقنياته في طور التطوير)، وهو أحد مجالات علوم الحاسوب الهادفة إلى تطوير آلات قادرة على فهم المشاعر البشرية. يشير المفهوم ببساطة إلى اكتشاف وبرمجة المشاعر الإنسانية بُغية تحسين الذكاء الاصطناعي، وتوسيع نطاق استخدامه، بحيث لا يقتصر أداء الروبوتات على تحليل الجوانب المعرفية (المنطقية) والتفاعل معها فحسب، بل والامتداد بالتحليل والتفاعل إل…Read more
  •  536
    تُعد أخلاقيات الآلة جزءًا من أخلاقيات الذكاء الاصطناعي المعنية بإضافة أو ضمان السلوكيات الأخلاقية للآلات التي صنعها الإنسان، والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي، وهي تختلف عن المجالات الأخلاقية الأخرى المتعلقة بالهندسة والتكنولوجيا، فلا ينبغي الخلط مثلاً بين أخلاقيات الآلة وأخلاقيات الحاسوب، إذ تركز هذه الأخيرة على القضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدام الإنسان لأجهزة الحاسوب؛ كما يجب أيضًا تمييز مجال أخلاقيات الآلة عن فلسفة التكنولوجيا، والتي تهتم بالمقاربات الإبستمولوجية والأنطولوجية والأخلاقية، والتأث…Read more
  •  90
    في محاورتي «ثياتيتوس» و«مينو» اقترح أفلاطون أنه من الممكن تعريف «المعرفة» بأنها «اعتقادٌ صادق مُبرر». ومعنى هذا التعريف أننا نستطيع القول («س» يعرف أن «ق» إذا، وفقط إذا، كان «س» يعتقد أن «ق»؛ وكانت «ق» صادقة؛ وكان اعتقاد «س» له ما يُبرره). ولأكثر من ألفي عام، ظل هذا التعريف مقبولاً من قبل الفلاسفة، انطلاقًا من أن قابلية أية معلومة للتبرير، فضلاً عن صدقها وكونها اعتقادًا، هي شروطٌ معقولة لكي تمثل «معرفة». وفي سنة 1963، نشر الفيلسوف الأمريكي «إدموند جيتيه» مقالاً من ثلاث صفحات تحت عنوان «هل الاعتق…Read more
  •  75
    هل بإمكانك أن تصف لي تجربة إحساسك بالألم، أو بطعم القهوة، أو برائحة الوردة، أو حتى رؤيتك للونٍ معين؟ الإجابة بالطبع هي النفي، وإن بدت غير ذلك للوهلة الأولى، والسبب ببساطة أن لكل منا تجربته الفريدة في الإدراك الحسي، حتى وإن كانت هناك عوامل مادية مشتركة. قد يتألم أحدنا بقوة من وخزة الإبرة، وقد يكون الألم بسيطًا أو منعدمًا لدى آخر؛ وقد يُقبل أحدنا على طعام بعينه في الوقت الذي ينفر منه آخر، وقد يشعر أحدنا بالبهجة والانتعاش حين يشم وردة بعينها، أو يرى لونًا بعينه، في حين لا يُمثل ذلك الشعور الأمر ذات…Read more
  •  62
    أي نوعٍ من الحياة هذا الذي يسوقه إلينا الفكر الفلسفي؟ هل هو النوع الأفضل كما أعلن «سقراط» قبل أكثر من ألفي عام تقريبًا؟ وهل الحياة الفلسفية يمكن أن تكون حقًا حياةً ذات معنى حقيقي؟ وبأي معنى يُمكن أن نفهم عبارة «معنى الحياة» ذاتها؟ الإجابة التي يحملها هذا المقال قد تكون صادمة للمشتغلين بالبحث الفلسفي، أو لأولئك الذين يعتقدون أن الفلسفة يمكن أن تُقدم لنا أية إجابات نهائية وقاطعة حول تساؤلاتنا عن معنى الحياة، لاسيما وأن هذه الإجابة تصدر عن متخصصٍ في الفلسفة، ودارسٍ لها ومشتغلٍ بها لما يقرب من أربعي…Read more
  •  77
    الأحمق الأعظم» نظرية في علم الاقتصاد مؤداها أنه ليس من المُهم السعر الذي تشتري به الأصل، طالما أن ثمة أحمقًا ينتظر، وسيشتريه بسعرٍ أعلى. وبعبارة أخرى، تنص النظرية على أنه من الممكن بالفعل جني الأموال عن طريق شراء الأصول (حتى عندما تكون أسعارها مبالغًا فيها) ثم إعادة بيعها، حيث ستتمكن دائمًا من العثور على شخصٍ ما (أكثر حُمقًا) على استعدادٍ لدفع سعرٍ أعلى! هذه النظرية شائعة جدًا بين المستثمرين الذين يستثمرون في أسهم الشركات؛ فالمستثمر الذي تنطبق عليه – عن علم أو عن غير علم – نظرية الأحمق الأعظم، م…Read more
  •  37
    في الميثولوجيا الإغريقية، كان الملك «ميداس» حاكمًا أسطوريًا لمملكة «فريجيا» (إقليم قديم في الجزء الغربي الأوسط من الأناضول – تركيا الآسيوية الآن)، وربما كان الاسم يشير إلى حاكم القرن الثامن قبل الميلاد المعروف في النقوش الفريجية والمصادر الأشورية القديمة باسم «ميتا الموسكي» (أو ميتا حاكم موسكي)، الذي اتسمت فترة حكمه بالعدالة والوفرة، وإن كان – من المنظور الروائي – قد افتقد إلى الحكمة وعمق التفكير والتأني في اتخاذ القرارات. كان «ميداس» ذا ثروة ضخمة، لديه كل ما يمكن أن يتمناه أي ملك، لكنه رغم الثر…Read more
  •  208
    في سنة 2015، ذهب قرابة عشرين شخصًا من سُكان بلدة «ياهابا» (وهي بلدة صغيرة تابعة لولاية «إيواتي» شمال شرق اليابان) إلى مبنى البلدية الخاص بهم للمشاركة في تجربة فريدة من نوعها. كان هدف التجربة هو تصميم سياسات من شأنها تشكيل مستقبل بلدتهم، ما يعني طرح الأسئلة المُخصصة للسياسيين ومحاولة الإجابة عنها: هل من الأفضل أن نستثمر في البنية التحتية أم في رعاية الأطفال؟ وهل يجب أن نُشجع الطاقة المُتجددة أم الزراعة الاصطناعية؟ وهل نعمل وفق خُطط قصيرة الأجل تُحقق مصالح الجيل الحالي، أم وفق خُطط بعيدة الأجل تنظ…Read more
  •  239
    في غضون سنوات قليلة، ستموت كل خلية في جسدك وتحل محلها خليةٌ جديدة؛ فأنت حرفيًا لست الشخص ذاته الذي كُنت عليه من قبل! خلايا المعدة تدوم تقريبًا خمسة أيام؛ وخلايا الدم الحمراء تبلى خلال فترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة شهور بعد أن تسافر حوالي ألف ميل؛ وخلايا الكبد تعيش ما بين عشرة شهور وستة عشر شهرًا؛ وحتى الهيكل العظمي يتجدد كل عقد تقريبًا. ليس هناك خلايا جسدية خاملة تُشارك المرء في عُمره سوى خلايا عدسة العين والخلايا العصبية للقشرة المُخية. أما أفكارنا وقناعاتنا ونظرتنا العقلية للحياة فتتغير بدروها …Read more
  •  72
    تُمثل مدينة تورينو لحظة تاريخية فارقة في حياة الفيلسوف الألماني متعدد الاهتمامات «فريدريك نيتشه»؛ ففي الثالث من يناير سنة 1889، خرج «نيتشه» من بيت مضيفيه في تورينو (وكان قد انتقل إليها سنة 1888 بهدف العلاج)، ربما ليتنزه، وربما قاصدًا مكتب البريد لاستلام رسائله، وعلى بُعد خطوات من البيت إذا بمشهدٍ يوقفه ويُفجعه ويؤثر عليه فيما تبقى من حياته: سائق عربة يجلد حُصانًا بوحشية! انخرط «نيتشه» في نوبة بكاء شديدة، وألقى بنفسه على رقبة الحصان محاولاً حمايته من الضربات، ثم كانت نوبات الانهيار العصبي التي كا…Read more
  •  76
    رغم تنوع مصادر المعرفة، ما بين حسية تجريبية وعقلية استدلالية وعقلية حدسية مباشرة، إلا أن هذه الأخيرة تكاد تكون سمةً مُميزة وفارقة للكشف العلمي، فلئن كان الكشف العلمي يخطو أولى خطواته بدهشة حسية، ويصاحب في طريقه نمطًا من أنماط الاستدلال العقلي المنطقي، إلا أنه في جوهره لا يعدو أن يكون قفزة حدسية مباشرة لا تُكتسب بالتجربة أو بالجهد الواعي للعقل. وما نعنيه هنا بالحدس هو تلك الرؤية الكلية المباشرة للمعاني العقلية المجردة، أو ما دعاه «إدموند هوسرل» بالقدرة على إدراك الماهيات. وبهذا المعنى يمثل الحدس …Read more
  •  67
    لا أحد من البشر يمتلك الحقيقة، وليس من المهم أن تمتلكها إن أردت الشُهرة أو الهيمنة، ولا أن تكون مُبدعًا أو صاحب رسالة، لكن المُهم أن تمتلك وسائل الإعلام وتعرف كيف تُحركها! المهم أن تتمكن من توجيه الإدراك العام أو الحس المشترك، وبوابتك الكبرى نحو تحقيق هذا التوجيه هي الإعلام؛ فما تراه العين وتسمعه الأذن بشكلٍ متكرر يألفه العقل ويُردده اللسان، حتى وإن كان في البداية موضع شك!
  •  113
    في كتابه «حين وقع سقراط في الحب: صناعة فيلسوف»، الصادر في مارس من سنة 2019 عن دار «بلومبزبري» البريطانية، يُقدم الكاتب والموسيقي البريطاني «أرماند دانجور» (أستاذ الكلاسيكيات بجامعة إكسفورد) طرحًا مثيرًا وجديرًا بالنظر حول حياة «سقراط» المُبكرة، ومدى تأثير فترة الشباب بما فيها من زخمٍ عاطفي على الرجل الذي نثر بذور الحكمة في أثينا، ودافع عنها حتى حوكم وأعدم إيمانًا بها! الكتاب لا ينبش فقط في أحداث تلك الفترة المُبكرة المُهملة من تاريخ الفلسفة السقراطية، بل يسعى بقوة إلى رسم ملامح الدور المُستبعد –…Read more
  •  260
    تجاربنا الحياتية تكشف عن دورٍ ملحوظ للحظ فيما نُصدره أو نتلقاه من أحكام؛ الحب، النجاح، الإشادة والثناء، النفور، الإخفاق، اللوم، ...إلخ، كلها أمور تعتمد على الحظ بقدرٍ كبير. قد تكون مثلاً ذا منصبٍ أو مالٍ أو جاه أو سُلطة، فتحظى بالثناء الاجتماعي (ولو نفاقًا) وإن كنت أحمقًا لا تستحقه، وقد لا تكون كذلك فتحظى بالإهمال، وربما اللوم، وإن كنت تستحق العكس! هكذا هو الحظ: عدلٌ مضاعف في ناحية، وظلمُ مضاعف في ناحية أخرى ... ينسج الواقع والوهم، ويشكل التاريخ، ويرسم ملامح الفكر في أشد جوانب رُشده وعبثيته! …Read more
  •  55
    تخيل حمارًا يمشي وحيدًا مُنهكًا بعد ان قضى وقتًا طويلاً بحثًا عن الطعام، وفجأة وجد أمامه كومتين متطابقتين من التبن اللذيذ على مسافتين متساويتين من موضعه، واحدة على اليمين وأخرى على اليسار. من المفترض وقتئذٍ أن ينكب الحمار على إحدى الكومتين إشباعًا لجوعه، لكنه يقف حائرًا: أي الكومتين يختار؟ أو بأي منهما يبدأ إن قرَّر تناول كليهما؟ ولا يجد الحمار المسكين سببًا وجيهًا لتفضيل إحداهما على الأخرى، ويمضي الوقت، ويزداد الحمار جوعًا حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة عاجزًا عن اتخاذ قرار عقلاني يُسوغ له اختيار إحدى…Read more
  •  229
    على الأرجح لا يوجد إله ... الآن، دع القلق واستمتع بالحياة ... إنه شعار الملحدين الجُدد! لا أعني بذلك أولئك الرويبضات الذين يُظهرون غير ما يبطنون، ويتخذون من تطورات العلم وقشور الفلسفة أداةً براقة لجذب الشباب وإغوائهم بالإلحاد، ويعمدون إلى الصلاة في معابد الشيطان من أجل النفس التواقة إلى إشباع شهواتها بغير ضابط ولا رابط. هؤلاء تجدهم وأتباعهم في الغرب إفرازًا طبيعيًا للخواء الروحي وهيمنة رأس المال، وتجدهم ومريديهم في الشرق نبتًا عفنًا للاستبداد السياسي والتفسخ الاجتماعي والمظهرية الحضارية الكاذبة …Read more